السبت، 5 فبراير 2011

الاشاعه واثرها على الناس والمجتمع







ظاهرة من جملة الظواهر التي تنتشر في المجتمعات، وموضوع مهم، يهم كل المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية، انها ظاهرة «الاشاعات»، وما أكثر الاشاعات التي تطلق في أوساطنا، ونسمعها هذه الأيام! اشاعات مقصودة، واشاعات غير مقصودة، فلا تكاد تشرق شمس يوم جديد إلا وتسمع باشاعة في البلد.. من هنا أو من هناك.
والاشاعة المغرضة هي من أخطر الظواهر التي تمر بالمجتمعات ككل وهدفها بلبلة الرأي العام واشباع لرغبات النفس الامارة بالسوء والعياذ بالله والإسلام يعتبر الاشاعة كذبا وافتراء وخداعا وتضليلا ووسيلة الانتهازيين الذين في قلوبهم مرض، ومن هذا المنطلق شدد الدين الحنيف على وجوب التثبت عند سماع الأخبار والتأكد من مصداقية مصدرها.
ويعرّف كثير من المختصين الاشاعة بأنها «رواية مصطنعة عن فرد، أو أفراد، أو مسؤولين يتم تداولها شفهيا، بأية وسيلة متعارف عليها، دون الرمز لمصدرها، أو ما يدل على صحتها».. ومعظم الإشاعات مختلفة، ذات دوافع نفسية أو سياسية أو اجتماعية، أو اقتصادية، وتتعرض أثناء التداول للتحريف، والزيادة والنقص وتميل غالبا للزيادة.
وان تاريخ الاشاعة قديم قدم الإنسان، وقد تطورت، وترعرعت مع تطور الحضارات القديمة والحديثة، فقد استخدمها المصريون والصينيون واليونان في حروبهم قبل الميلاد بآلاف السنين للتأثير على الروح المعنوية للعدو، وقد ذكر في كتاب الله عز وجل نماذج من تلك الإشاعات، فمنذ فجر التاريخ، وبقراءة في تاريخ الانبياء عليهم السلام، وقصصهم نجد ان كلا منهم قد أثير حوله الكثير من الاشاعات من قبل قومه، ثم يبثونها، ويتوارثونها أحيانا، ولا شك ان تلك الاشاعات كان لها الأثر في بعض المعوقات في طريق دعوة أولائك الأنبياء والرسل.
وفي بداية العصر الإسلامي كانت حادثة الافك التي تولي كبرها المنافقون، وكادت تؤثر تأثيرا كبيرا على الروح المعنوية لبعض المسلمين، حتى أنزل الله تعالى قرآنا يبين براءة عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، ويكذب من جاء بالافك.. واشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، وما كان لها من أثر في صفوف المقاتلين المسلمين.
أما في زمننا الحالي الاشاعات التي تروج وتنقل عن طريق الكلمة المنطوقة مباشرة أو من خلال وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة ونسبة الاستماع إليها هي الأكبر ويلعب مروجوها دورا كبيرا أحيانا، والمكتوبة يكون لها أثرها البالغ في تحريك جموع الناس صوب ما هو مرغوب من قبل مروجيها لأن الغموض مبعث ارتباك وتوتر عند أي فرد. أو في اختلافها عمدا رغبة منهم في التأثير على العامة بطريقة معينة يتحقق لهم معها ذيوع الخبر وانتشاره على الرغم من انه لا أساس له من الصحة على الاطلاق، ويجب ألا يغيب عن بالنا ما أودت به كثير من هذه الاشاعات من ظلم الابرياء أو فجور في أهل وهتك لاعراض أو تغييب ذهب ضحيتها الكثير من فكر وعتاد ومال وولد. ويمكن ان تظهر في أي موقف أو وسط اجتماعي لكن غالبا ما يشتد ظهورها في مواقف الضغط الاجتماعي كالكوارث والنكبات والقلاقل والحروب والثورات التي تمنى بها الشعوب والجماعات أحيانا تظهر بعد حوادث الاعدامات والاغتيالات أو مصاحبة للاجراءات التي تتبناها بعض الانظمة في حق معارضيها هذا يعني بان الاشاعة تميل إلى الظهور في غياب الضابط المعرفي المبني على معلومات واضحة ودقيقة.
وان للمستوى التعليمي اثره على هذه السمات والخصائص كما ان أساليب التنشئة الاجتماعية المبنية على معطيات ثقافية لكل جماعة أو مجتمع اثرها في ذلك أيضا. وقد لعبت الاشاعة أدوارا حاسمة في قلب موازين القوى لصالح مروجيها في الماضي والحاضر فهي سلاح نفسي فتاك في الصراعات والحروب وأسلوب من أساليب تقويض الروح المعنوية على صعيد الفرد والمجتمع ولا عجب ان نجد القرآن الكريم قد حض على ضرورة التبصر والحيطة والتوعية من عمق آثارها بقوله تعالى:«يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» الحجرات الآية «6».
وفهمنا لهذه الحقيقة يمكننا من القدرة على حسن التعامل معها في تجنب الأسباب المؤدية إليها فلا نكون غامضين في الطرح والمعالجة لأمورنا ويجب على الأفراد والحكومات الابتعاد عن كل ما من شأنه اثارة فضول الآخرين وتساؤلاتهم وتركهم ضحية للتأويلات والتفسيرات الخاطئة وكذلك يجب قضاء حاجات الناس أفرادا وجماعات والصدق معهم في بلوغ الرغبات والتطلعات والرقي حتى يستشير كل فرد ماله وما عليه فلا يتوقع حول ذاته بالبعد عن اثره واذا كان روح الجماعة حتى يؤثر الفرد مصلحة المجموع على طموحات الذات وفي هذا القمة الايثار وليكن كل فرد منا مثلا حيا للسمو في المدارك والاهتمام وللجمع بين صدق القول وسلامة العمل.
ان هذا مطلب اجتماعي ملح قوامه استشعارنا بعمق وعي لمعنى المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتقنا على صعيد الفرد والجماعة.


النغزة: قال ايه اللي علمك الكذب.. قال كل اللي بسمعوا بقولوا.



22 يونيو 2010 بجريدة عالم اليوم

ليست هناك تعليقات: