الأربعاء، 10 أغسطس 2011

الرحمن على العرش استوى



استوى استواء يليق بجلاله ويتناسب مع كماله، لا يشبهه استواء المخلوق الناقص القصير، لأن الله أحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله فاستوى هنا بمعنى علا وصعد، وانظر إلى عظمته في هذا الاستواء فإنه سبحانه وتعالى فوق خلقه فله علو الذات، وعلو القهر وعلو القدر، علا فقهر، وحكم فقدر واطلع فستر وعلم فغفر، وانظر إلى اسم الرحمن وما فيه من صفة الرحمة العامة الشاملة واختار هنا هذا الاسم، لأن رحمته غلبت غضبه فهو رحمن بالدنيا والآخرة، واستوى يدبر ملكه ويصرف خليقته، فهو بائن من خلقه بذاته، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته وليس في مخلوقاته شيء من ذاته، وهو بعلمه مع خلقه وبحفظه مع أوليائه يعلم ويبصر، ويسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ويعلم ويرى حبة الخردل في الصخرة الملساء، ما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا تلفظ من همسة إلا يسمعها، وما تدب حركة إلا يطلع عليها، يعلم السر وأخفى من السر ويعلم ما يكون وما هو كائن وما لم يكن لو كان، كيف يكون.
على العرش استوى يخلق ويرزق ويقضي ويحكم ويقدم ويؤخر، ويعز ويذل ويولي ويعزل لا يشغله شأن عن شأن، ولا يحوله مكان ولا يحد بزمان أخذ بالنواصي وملك الرقاب، نصر أولياءه وسحق أعداءه، من أحبه قربه، ومن حاربه خذله وأدبه ترفع إليه المسائل، وتصعد إليه الحاجات وترفع له الأعمال وتحصى لديه الأقوال، وتكشف عنده الأحوال يحفظ من في البر، ويرعى من في البحر يطعم الجائع ويسقي الظمآن، ويكسو العاري ويرد الغائب ويهدي الضال ويشافي المريض ويعافي المبتلى، وينصر المظلوم وينجي الملهوف ويعطي المسكين ويكشف الكرب ويزيل الخطب، ويسهل الأمر الصعب ويغفر الذنب ويقبل التوبة.
على العرش استوى بنى السماء، وبسط الأرض وقدر الأوقات وأوجد المخلوقات وبعدما طحى ودهى وأرسى الجبال، ومهد الفجاج وأخرج الماء والمرعى ووهب الأرزاق وقدر الآجال وكتب المقادير، وأحصى كل شيء عددا خلق الخلق بحسبان أتقن صنعه وأحسن خلقه وأبدع موجوداته، واستوى على العرش ليتفرد بالملك وحده وعلو القهر والقدر وحده، فليس له شريك في ربوبيته ولا نديد في ألوهيته، ولا شبيه أو مثيل في أسمائه وصفاته، من نازعه الملك محقه ومن نازعه الكبرياء والعظمة قصمه ..
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين .. والشكر الجزيل للدكتور عائض القرني من كتاب (إشراقات) ..

النغزة

أصحب الناس بما شئت أن تصحبهم فإنهم سيصحبونك بمثله..

ليست هناك تعليقات: